البراتياهارا

المعلم:- نمير ذنون

هذه المرحلة من منظومة اليوغا سوترا للحكيم باتنجالي تقع في التسلسل الخامس و هي المرحلة الوسط في المنظومة و التي يبدا المتدرب من بعدها ليوغل في العمق الروحي اكثر فاكثر وصولا الى الـ(نيرفي بيجا سمادهي- الفناء الكامل لكل شيء ما عدا واحدية المطلق ). و الكلمة مشتقة من اللغة السنسكريتية ( براتي –  prati ) و ( هارا –  hara ) . و (براتي) تعني اطعام او ما يدخل الجسد و ( هارا) تعني السيطرة او قمع التاثيرات .

ان هناك عدة انماط من الاطعام ( التغذية الداخلة ) و يقابلها عدة انماط من البراتياهاراهناك الطعام كعناصر ( مواد) تدخل الجسد ، و تغذية تمر من خلال الحواس ( التغذية الحسية) لتغذية العقل ( املاءه بالشواغل او لاشباع توقه الحسي الى الخارج ) و هناك تغذية تتحصل لنا او للعقل من خلال معايشة الاخرين . اذن هي ثلاث انماط من التغذية ،  تغذية مادية للجسد و تغذية حسية للعقل و تغذية من مشاعر – اجتماعية خصوصا مع الاناس الذين نحبهم  و علينا ان نكون حريصين بالطعام الذي نستهلكه . ان الجسم المصاب بسوء التغذية و العقل المتخبط و القلب المضطرب عاطفيا كلها سوف تؤثر سلبا على قدرة الفرد في السيطرة على حواسه .

هناك اربعة انماط من البراتياهارا

  • اندريا (Indriya ) و هي السيطرة على الحواس .
  • البرانا ( prana ) و هي جهد او عملية السيطرة على الطاقة الحيوية او البرانا .
  • كارما ( karma ) و هي عملية السيطرة على الافعال او طهر الافعال او هي الضبط الاخلاقي للافعال في اطار مباديء السلام و الحق و الصدق و الامانة و النزاهة و الخدمة اللامشروطة .
  • مانو ( Mano ) و هي ايقاف حركة العقل او ضبطه و اخضاعه للسيطرة الارادية – الواعية .
  • اندريا براتياهارا : – ان اهم هذه الانماط بتصوري هو ( اندريا –براتياهارا) ان الحواس هي التي تؤثر في العقل و تجعله يتخبط لهذا ينبغي التدرب على ضبط الحواس و تسكين العقل بقوة الارادة . اما ما يتعلق بالانطباعات الحسية التي تنتج الحب و الرحمة فهذه مفيدة للعقل اكثر من موقف اللامبالاة لانها ستعزز من طهر فعلنا الاخلاقي . ان افضل طريقة لتعلم البراتياهارا او المبدا الاول هو ( الصوم ) ، الامتناع عن كل ما يضطرب النفس كالصوم عن مشاهدة التلفزيون و الاجهزة الالكترونية و وسائل التواصل الاجتماعي و قضاء وقت هادئ في الطبيعة و من تجاربي الشخصية فان العيش في طبيعة زاخرة بالنباتات و الاشجار و الخضرة و الكائنات الحية يجعلنا نشعر بالحبور و هو مزيج من السلام و الحب و السعادة و هي ما يذهب بوعينا بعيدا جدا عن مشاغل الحياة و آلآمها و يكون بمثابة تغذية للعقل بغذاء الحبور بدلا من الشواغل الحسية اما العيش في طبيعة غير زاخرة فانه يجعلنا نعيش حالة التوقف النسبي للعقل او حالة الصفاء مثل الوقوف على ساحل البحر و التأمل فيه حيث لا يوجد الا زرقة البحر و السماء او قضاء وقت هادئ في البحر عندما يكون ساكنا و لهذا فان سكان الريف عادة ما يكونون انقى روحيا من سكان المدن .
  • البراناياما : ان تمارين التنفس براناياما تعد المتدرب للتمكن من البراتياهارا . في هذه التمارين يتم اخضاع الحواس لتتبع البرانا . حيث يتم التركيز على حركة البرانا في الجسد و اخضاع الحواس لحركة البرانا . مثلا اذا سحبنا البرانا من كف اليد فعلينا ان تخيل ان الاحساس قد انسحب منها و علينا ان لانشعر بها . علينا بقوة التركيز و الخيال ان نربط الحواس بالبراناو على الحواس ان تتبع البرانا اينما ذهبت او كيف ما نريد و بذلك يخضع شعورنا الحسي لارادتنا .
  • الكارما براتياهارا : و هي السيطرة على الافعال . ان الرغبة في الاشياء او في النجاح تعبر عن حالة تعطش للمزيد و لا تتوقف ، من اجل ارضاء الذات . هذا العطش يجعلنا منغمسين في عالمنا اكثر فاكثر فنطلب المزيد من الاشياء و ننغمس في علاقات غير صادقة من اجل نيل المكاسب و هذه كلها تفسد الروح و تعطل طريق البراتياهارا . و لاجل تحقيق السعادة الصادقة او الروحية علينا ان نوقف هذا العطش او التوق و نقطع جذور الرغبة و هذا عندما نتصرف تجاه الاخرين بنكران ذات و خدمتهم و اكرامهم بدون ان نتوقع او نامل منهم اي منفعه . و لكن هناك اشكالية و هي اننا نعيش الحياة المعاصرة و كل شيء تقريبا يبدو ضروري او نحن بحاجة اليه فماذا نفعل و كيف نقطع تعلقنا به . الاجابة في البوذية و هي : (تعاطى الاشياء لانك بحاجة اليها و على قدر الحاجة و لا تتعاطاها لانك ترغب بها) مثلا ان عليك ان تاكل الطعام لانك بحاجة ان تتغذى و ليس لانك تشتهيه او ان عليك ان تقتنى سيارة لانك بحاجة ان تذهب الى عملك و ليس لانك تحب اقتناء السيارات اما كلمة (على قدر الحاجة) فتعني ان اي نوع من الطعام يفي بالغرض ففيه الكفاية او ان اي نوع من السيارات تفي بالغرض ففيها الكفاية .
  • مانو- براتياهارا : و هي السيطرة على العقل لاجلان لاتدخله الانطباعات الحسية الخارجية و كذلك منع تاثير الانفعالات الداخلية على العقل . ان التحكم بالعقل يؤدي الى التحكم بالحواس لان منظومة الوعي البشري تتكون من الحواس و العقل . و العقل هو جهاز حسي متطور جدا الى حد ان بامكانه ان يقوم بمعالجة البيانات الحسية و اصدار الاحكام . و اذا تم السيطرة على حركته و منع اصدار الاحكام فان التاثيرات الحسية ستذهب سدى او لن تكون ذات معنى و بالتالي لن يتخبط العقل بالحركة و اصدار الاحكام .

ان البراتياهارا تعني عموما سحب الحواس من اي جزء من الجسم ،يشاء اليوغي . و هذا يعني قدرته على ايقاف الالم و السيطرة على حركة البرانا و توزيعها في الجسد و حسب الاحتياجات ، مثل معالجة عضو او ايقاف النشاط الحيوي لعضو مريض او فيه التهاب او ارتفاع في درجة الحرارة مما يعني شفاءه . و من الامثلة على ما اقول فان المهاتما غاندي كان قد اصيب بالتهاب الزائدة الدودية و اجريت له عملية لاستئصالها بدون مخدر و كان اثناءها يتحدث مع اتباعه و كأنه لا شئ خطير يحدث .

ان المتمكن من البراتياهارا بامكانه ان يتحكم بالعقل و بحركة البرانا في جسده و بنشاط اعضاءه الباطنية اللارادية مثل دقات القلب و قد يصل الى حد التحكم بالايض الخلوي في اي عضو يشاء . تبدا البراتياهارا من ايقاف حركة العقل و السيطرة عليه و الوصول به الى حالة التوقف- الفراغ ( Viaragya ) و من بعدها يمكن السيطرة على العقل و حركة البرانا و عمل الاعضاء .

من نافلة الكلام :

عموما تتبع مدارس اليوغا طرق بطيئة و طويلة في تحرير التلميذ و هو ما يناسب الشخصية الهندية التي تتصف عموما بانها هادئة و مسالمة كذلك فان الانسان الهندي لا يجد شحة في المعلمين و المدارس و المعابد و امامه آلآف الطرق و له الحرية المطلقة ان يختار ايا منها فلو كان هندوسيا مثلا فابمكانه ان يتبع طريق السيخ او طريق بوذي او اي طريق آخر . فالهند هي اقدم ديمقراطية ثقافية في العالم و الجميع يحترم الجميع في اختياراتهم حتى الاب الهندوسي يحترم اختيار ابنه فيما لو اختار طريق البوذية مثلا او اي طريق آخر شرط ان لايكون شريرا . و كل هذه الظروف غير متوفرة للانسان العربي و هو ما يجعل اليوغا بحرفياتها الهندية ، لا سيما صفة البطء في المسيرة ، غير مناسبة لعالمنا العربي  الذي تعصف به العواصف التي نتلقاها بين فينة و اخرى مضافا الى ذلك  شحة المعرفة الروحية و المعلمين الحقيقيين .

لهذا اجد من واجبي و واجب المعنيين بهذا الشأن ان يقدموا للقارئ العربي او يعرفوه على كل طرق التحرر الروحية في العالم لاجل ان يختار الطريق الذي يناسبه في الحياة . ان كل الطرق صحيحة و رائعة في اطار الخير و السلام و سعادة الانسان او بقدر ما تحققها.

ملخص المنشور

  • كارما ( karma ) و هي عملية السيطرة على الافعال او طهر الافعال او هي الضبط الاخلاقي للافعال في اطار مباديء السلام و الحق و الصدق و الامانة و النزاهة و الخدمة اللامشروطة .
  • و اذا تم السيطرة على حركته و منع اصدار الاحكام فان التاثيرات الحسية ستذهب سدى او لن تكون ذات معنى و بالتالي لن يتخبط العقل بالحركة و اصدار الاحكام .
  • و الكلمة مشتقة من اللغة السنسكريتية ( براتي –  prati ) و ( هارا –  hara ) .
  • و هي السيطرة على العقل لاجلان لاتدخله الانطباعات الحسية الخارجية و كذلك منع تاثير الانفعالات الداخلية على العقل .
  • هذه المرحلة من منظومة اليوغا سوترا للحكيم باتنجالي تقع في التسلسل الخامس و هي المرحلة الوسط في المنظومة و التي يبدا المتدرب من بعدها ليوغل في العمق الروحي اكثر فاكثر وصولا الى الـ(نيرفي بيجا سمادهي- الفناء الكامل لكل شيء ما عدا واحدية المطلق ).

اكتشاف المزيد من اكاديمية ريكي زن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.